عدد الرسائل : 401 الموقع : https://prameg-alshrif.ahlamontada.com العمل/الترفيه : الكمبيوتر والشبكات تاريخ التسجيل : 31/10/2007
موضوع: سور الأزبكية.. ماله وماعليه الأحد أبريل 27, 2008 6:15 am
زحام يبدو كبيرا لكنه لا يخص الكتب بل مدخل سلم مترو الانفاق هل يمكن لنا أن نتخيل ماذا لو اقتضت الأمور أن يمر مشروع عملاق بحجم مشروع مترو الأنفاق من تحت الهرم.. هل نهدم الهرم، ثم نعيد بناءه بعد إتمام المشروع ؟؟!! أم نبحث عن البدائل التي تسمح بالحفاظ على قيمة أثرية بحجم الهرم، ولا تعوق العمل في مشروع مثل مشروع مترو الأنفاق في نفس الوقت؟ هذا تماماً ما يعانيه الآن سور الأزبكية للكتب.. ذلك السوق الشهير والتاريخي والذي يعتبر هرما ثقافيا كبيرا تتميز به القاهرة.. والذي يتم هدمه ونقله كل حين وآخر من أجل المشروعات القومية العملاقة..
وفي الأصل يعود تاريخ (سور الأزبكية) إلي مئات السنين، وقد ورد ذكره ضمن موسوعة (القاهرة في ألف عام)، كواحد من أبرز المعالم التي تتميز بها مدينة القاهرة ورغم هذا لا يعي المسئولون في مصر الآن قيمة هذا المكان ولا قيمته عند المثقفين المصريين والعرب معاً.. الناس تشاهد بأكثر مما تشتري وباعتبار أن المسئولين يضعون الفقراء في آخر اهتماماتهم، فبالتالي طبيعي أن يكون سور الأزبكية في آخر اهتماماتهم الثقافية؛ لأنه المكان الذي تباع فيه كثير من الكتب بأرخص الأسعار.. فقط تتذكر الدولة سور الأزبكية في يناير من كل عام، فتخصص له مساحة كبيرة في معرض القاهرة للكتاب تحت مسمى العرض المكشوف، ويبدو أنه سيظل هكذا.. عرضاً مكشوفاً إلى الأبد! ومأساة باعة الكتب الآن بهذا المكان الشهير، هو أنه تم نقلهم من جديد مؤخراً إلى موقع جديد بسبب أعمال الحفر لمشروع مترو الأنفاق في خطه الثالث.. حتى أنهم يرون أنفسهم قد أصبحوا حقلاً للتجارب أمام مشروعات الدولة العملاقة.. فمرة ينقلون لحي الدراسة لمدة سبع سنوات أثناء العمل في الخط الثاني لمترو الأنفاق عانوا فيها الأمرين، ومرة ينقلون أسفل كوبري الأزهر وسط زحام ميدان العتبة الخانق، وكادوا ينقلون مؤخراً إلى إحدى المدن الجديدة لولا استغاثتهم المتكررة بأن وجودهم في هذا المكان هو الأصل لهم وخروجهم منه يعني القضاء عليهم.. الرواج محدود وصحيح أنه لم يتم نقل مكتبات سور الأزبكية لمكان بعيد عن موقعهم السابق، لكنه نقل إلى أسوأ مكان يمكن أن ينقل إليه.. لقد تم نقل المكتبات إلى الساحة الموجودة أمام سلالم مترو الأنفاق وأمام مسرح القاهرة للعرائس، وهي الساحة التي كان يحتلها عدد كبير من الباعة الجائلين –المطاردين دوماً من البلدية– رغم أنهم لا يسرقون ولا يفعلون فعلاً يعاقب عليه القانون، ولم تجد لهم الدولة حلاً سوى أن تطاردهم كلما أرادت هذا.. لذلك أصبح المشهد الآن أشد سوءاً بعد أن اختلط الباعة الجائلون بمكتبات سور الأزبكية وسط زحام هائل أكثر رواده يمرون من هذا المكان ليس لشراء الكتب ولا حتى بضائع أخرى، وإنما يمرون من هذا المكان للوصول لمحطة مترو أنفاق العتبة..
في هذا التحقيق لاحظنا أن أغلب أصحاب المكتبات بسور الأزبكية يرفضون الحديث للصحافة لا لشيء إلا لافتقادهم الأمل والثقة في تغيير وضعهم الحالي وحتى المستقبلي في ظل إهمال تام ومتعمد من الدولة لهم.. حتى أن أحد البائعين من كبار السن والذي قضى عمره كله تقريبا في هذا المكان رفض نشر اسمه، لكنه قال إن سور الأزبكية يمر بأسوأ عصر له، وأن ما يحدث له لا يمكن أن يساوي قيمته التاريخية، فتاريخ هذا السور كبير جداً جداً، حيث إنه كانت توجد قهوة بميدان العتبة قديماً كانت تسمي قهوة المختلط، وكانت مشهورة بأن عظماء مصر ومثقفيها يجلسون فيها من أمثال "طه حسين"، و"إحسان عبد القدوس"، و"نجيب محفوظ"، و"عباس العقاد".. وكان باعة الكتب يحملون الكتب ويمرون بها على رواد القهوة ويبيعون لهم الكتب، ثم إذا ما شعروا بالتعب كان يجلسون على سور حديقة الأزبكية يرتاحون، وعندما كان المارة يمرون عليهم، كانوا يقتنون منهم الكتب أيضاً، ومن هنا جاء اسم (سور الأزبكية).. أعمال الحفر بمشروع مترو الأنفاق وقد كان الإنجليز في أيام احتلالهم لمصر يتوددون إليهم ويشترون منهم حباً في الثقافة وحباً في اكتساب مودتهم ومودة المثقفين الذين يشترون منهم حتى قامت الثورة فأصبحت البلدية تطارد البائعين وترشهم بالماء باعتبارهم مشكوكاً في أمرهم ويحبون الإنجليز حتى تصادف مرور الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" ذات يوم من أمامهم، وعلم بما يحدث لهم، فأمر باستخراج تراخيص لهم، بحيث يكون تواجدهم فيما حول سور حديقة الأزبكية في شكل منسق، وهو ما كان فعلاً.. وأصبح الرئيس "عبد الناصر" بنفسه يتردد علي سور الأزبكية كثيرا ليقتني منه الكتب التي يريدها وليطمئن على حال بائعيه، وكذلك فعل بالمثل الرئيس الراحل "أنور السادات" قبل أن يكون رئيسا لمصر، وحتى بعد أن أصبح رئيساً لمصر وقد ذكر هذا في كتابه الشهير (البحث عن الذات).. اختلط الباعة الجائلون ببائعى الكتب لذلك فأهمية سور الأزبكية لا تنبع من أنه مكان لبيع الكتب القديمة، وإنما لأنه أصبح على مر السنين واحداً من أهم الأماكن التي يمكن لأي إنسان أن يجد فيها ضالته حتى أنه أصبح -بلا مبالغة- المكان الذي يساهم في تشكيل ثقافة المصريين، نظراً لما تزخر به مكتباته التي يبلغ عددها الآن 132 مكتبة بأمهات الكتب في كافة المجالات فهو يعد مقصداً لكل من يبحث عن أي كتب أو مراجع لا يجدها سواء من طلبة الجامعات أو من الأساتذة والباحثين في كافة المجالات، كما أنه يزخر بباعة المجلات والصحف القديمة التي تؤرخ لتاريخ مصر.. فى وسط المكتبات تماما لا أحد يمر والبعض مل واغلقوا مكتباتهم ويتفق بائعو سور الأزبكية الآن على أن مطلبهم الرئيسي هو عودتهم لمكانهم القديم فيما حول سور حديقة الأزبكية بدءا من سنترال العتبة ودائريا حول السور وحتى مدخل المسرح القومي بميدان العتبة، وهو موقعهم الأصلي منذ مئات السنين، وهذا حتى يكونوا في مواجهة الشارع الرئيسي، وهو المظهر الحضاري الذي يليق بحجم وتاريخ مكتبات سور الأزبكية بما تزخر به من كتب.. فعلى الأقل بدلا من المشهد الحالي لسور الأزبكية بعد أن احتلته مواقع عمل مشروع مترو الأنفاق، فلو وجدت المكتبات حول السور لأخفت سور موقع العمل ولبدا المشهد أكثر رقيا وجمالا.. وحتى بعد انتهاء العمل بالمشروع بعد أربع سنوات كما هو مقدر فإن بقاء مكتبات سور الأزبكية حول سور الحديقة يعد مظهرا جمالياً مميزاً ولن يخفي جمال حديقة الأزبكية؛ لأنها أصلا تحتوي على أشجار أثرية عملاقة لن تخفيها المكتبات، ونحمد الله أن الدولة لم تزلها من أجل مشروع المترو!